Abstract:
تعد العلاقة بين الأحازب السياسية والديمقارطية علاقة جدلية فوجود الأحازب وتبمورىا إلي
حد كبير يرتبط بتطور الظاىرة الديمقا رطية عبر التاريخ، وفي نفس الوقت أسيم وجود الأح ا زب
كييئات منظمة، ليا دورىا في الحياة السياسية إلي تدعيم التحولات الديمق ا رطية، وأصبحت الأح ا زب
إحدى الضمانات العممية والمؤسسية لمممارسات الديمق ا رطية، ولم تعد تقتصر عمي الديمق ا رطيات
الغربية فحسب، وبالرغم من اختلاف تصور مضمون الديمق ا رطية في النظم السياسية المتباينة
الغربية والشرقية، فان الديمق ا رطية ترتبط بحرية ال أ ري، وتشكل الأح ا زب حمقة وصل بين الجماىير
والسمطة الحكومية ووسيمة لتنظيم ال أ ري العام وتوصيمو إلي السمطات.
فالإنسان لا يستطيع بمفرده أن يمعب دو ا رً فعالا في النقد والرقابة والتوجيو في المجتمع،
كونو ضعيف بنفسو قوي بالجماعة التي ينتمي إلييا، كذلك لا يستطيع ال أ ري العام أن يمعب دوره
الفعال في النقد والتوجيو والرقابة إذ لم يكن منظم اً، ومن ىنا كانت ضرورة وجود الأح ا زب التي
تمثل المعارضة المنظمة والمستمدة من النظام الديمق ا رطي، وتتفا وت التشريعات من نظام سياسي
لآخر فيما يتعمق بتنظيميا لحرية تكوين الأح ا زب وممارسة نشاطيا السياسي، فالمبدأ العام ىو حرية
تكوينيا دون قيود، باستثناء بعض الضوابط المنطقية والقانونية كالامتناع عن استخدام القوة
المادية، والالت ا زم بالمبادئ الديمق ا رطية والوسائل المشروعة، كما أن تعدد الأح ا زب يمثل اليوم السمة
المميزة لأغمب الأنظمة السياسية التي كانت إلي عيد قريب لا تؤمن إلا بنظام الحزب الواحد الذي
كان قائماً عمي أساس احتكار السمطة، فقد سارعت بعض ىذه الأنظمة إلي ركوب تيار الديمق ا رطية
النيابية، ولذلك حظيت الأح ا زب السياسية سواء فيما يتعمق بتأسيسيا أو في ممارستيا لنشاطيا
باىتمام كبير ليس عمي المستوي الداخمي فحسب، و انما عمي الصعيد العالمي أيض اً، فنصت عمييا
الإعلانات والمواثيق الدولية.
فشعوب الدول النامية وبالأخص الدول العربية، تسعي اليوم إلى تثبيت أركان الممارسة
الديمق ا رطية، وارساء قواعدىا وتدعيم أليات اشتغاليا في إطار دولة القانون، كون ذلك مطمحاً سامياً
ونبيلاً يندرج في إطار منظومة إصلاحية شاممة تتركز بالأساس عمى الييئات السياسية واصلاح
المشيد السياسي وتأىيمو بما يساير متطمبات العصر.
فالحقيقة أن المواطن كان يعيش نوع اً من الاغت ا رب السياسي بسبب سيطرة الحكم الفردي
وانعدام المشاركة السياسية الحقيقية في الحكم وازدياد الشعور بالإحباط في الحياة اليومية، وىذا كمو
قد يكون السبب في العنف الذي لا يعالج عن طريق المطاردة والاعتقال، لذلك آن الأوان أن نساير
الفكر العالمي الجديد، فظيرت الأح ا زب وبدأت حدة التنافس بين الأح ا زب، وضخامة الحملات
الانتخابية في مختمف مواعيدىا، ىذه المظاىر طبعت الحياة السياسية بنوع من الديناميكية التي لم
يعيدىا المجتمع الميبي، حيث كان النظام السياسي الجماىيري السابق لا يقبل البتة بأي تنظيم
حزبي حيث كان يرتكز عمى فكرة الديمق ا رطية الشعبية المباشرة التي كانت تمارس عن ط ريق
المؤتم ا رت الشعبية فمم يكن ىناك أي وجود للأح ا زب السياسية نيائياً بل ذىب ىذا النظام إلى فكرة
تجريم الحزبية بنصوص قانونية ووضع ليا عقوبات، إلاّ أنو بعد السابع عشر من فب ا رير في سنة
3122 وبعد سقوط النظام الجماىيري دخمت ليبيا مرحمة سياسية جديدة، حيث عرفت ليبيا الأح ا زب
السياسية وبدأ ح ا رك حزبي يتجمى في إقبال مدىش عمي خوض تجربة تأسيس أح ا زب سياسية
واىتمام ممحوظ بالعمل الحزبي، ولكون غياب إطار قانوني ينظم عمل ىذه الأح ا زب قد يشكل خمل
بالعممية الديمق ا رطية بالنظر لحداثة التجربة الحزبية الميبية فمذلك وجب إصدار تشريع قانوني لتنظيم
المشيد الحزبي ببلادنا باعتباره عملاً حضارياً وديمق ا رطياً ىدفو إضفاء الشفافية عمي طريقة تشكيميا
وكيفية ممارسة نشاطيا، وطرق تمويميا مع الأخذ في الاعتبار حداثة الشأن الحزبي في بلادنا تقنيناً
وتنظيم اً، فلا يمكن بناء دولة القانون والمؤسسات ما لم تكن ىناك منظومة قانونية تعمل عمي
تنظيم كل مجالات الحياة بشكل دقيق خصوص اً فيما يتعمق بتنظيم الحياة السياسية والحزبية.
عموماً فالأح ا زب السياسية بمختمف نشاطاتيا تحتاج دائما إلي ما يكفل وجودىا عمي
الساحة السياسية من تشريعات تشكل الإطار الذي تعمل داخمو، وتمارس كافة صور مشاركتيا
السياسية ونشاطاتيا سواء عمي المستوي الداخمي لمحزب أم عمي مستوي الدولة، غير أنو ولحداثة
ليبيا بالأح ا زب السياسية واصدار تنظيم قانوني للأح ا زب فقد تم الاستعانة بالقانون المصري الخاص
بالأح ا زب، واقتباس ما يتناسب مع مجتمعنا الميبي, حيث وجدت في الشعب المصري شبو تطابق
بينو وبين الشعب الميبي فيي دولة الجوار، وليا السبق في الحياة السياسية الديمق ا رطية وتكوين
الأح ا زب منذ أمد بعيد، فتحول النظام الحكومي في مصر باتجاه التعددية الحزبية، اخذ صفة التدرج
إذ بدأ بالمنابر ثم عدد من الأح ا زب إلي أن صدر القانون المنظم للأح ا زب بعد النص عمي التعددية
الحزبية في الدستور المصري، بينما يختمف الوضع تمام اً في التجربة الميبية فتحول نظام الحكم في
ليبيا وقد غمبت عميو صفة المفاجأة حيث ارتبطت التعددية الحزبية في ليبيا بثورة السابع عشر من
فب ا رير والتي جاء عمي أثرىا الإعلان الدستوري المؤقت ونص عمييا ص ا رحة في المادة ) 4( والتي
نصت عمي أن " تعمل الدولة عمي إقامة نظام سياسي مدني ديمق ا رطي مبني عمي التعددية
) السياسية والحزبية، وذلك بيدف التداول السممي الديمق ا رطي لمسمطة "، ونصت أيضاً المادة ) 21
منو عمي أن " تكفل الدولة حرية تك وين الأح ا زب السياسية والجمعيات وسائر منظمات المجتمع
المدني ويصدر قانون بتنظيميا ..."وبناءً عمي ذلك أصدر المجمس الوطني الانتقالي بصفتو
السمطة التشريعية في البلاد تشريعاً يعتبر عصرياً بالنظر لموضع الميبي فصدر قانون الأح ا زب
4
السياسية رقم ) 32 لسنة 3123 م( والخاص بتنظيم الأح ا زب السياسية من حيث كيفية تأسيسيا
وكيفية ممارسة نشاطيا إلى انتياء حياتيا الحزبية.
عميو كان من الضروري التصدي ليذا الموضوع، وبحث ود ا رسة أبرز الإشكاليات التي قد
تكتنف ىذا الموضوع وبيان مواطن القوة والضعف في النظام القانوني الخاص بالأح ا زب المطبق
في الدول محل البحث اوقت ا رح التغيي ا رت والتعديلات القانونية اللازمة إن وجدت ،باعتبار أن
الأساس القانوني الذي تنشط الأح ا زب السياسية في إطاره يعتبر من أىم العوامل التي يتوقف عمييا
مستقبل الأح ا زب السياسية بصفة خاصة وتتأثر بو العممية الديمق ا رطية بصفو عامة.